الإفتتاحية :
الذنب لا يمنح الإجازة
أخي يا من نحبه في الله خذ هذه الرسالة الرقيقة من أبي محجن الثقفي رضي الله عنه ، يعلمك فيها أيها العاصي أيها العارف بحقيقة نفسه أن المعصية لا تمنحك إجازة مفتوحة من العمل للإسلام .
أبو محجن الثقفي رضي الله عنه رجل مدمن على شرب الخمر مع أنه فارس مغوار، إذا نزل الميدان أظهر البطولة والرجولة! ولكنه ابتلي بإدمانه على شرب الخمر، ومع ذلك تراه جندياً في صفوف القادسية، هل خرج للقتال؟ نعم.وهو الذي كثيراً ما يؤتى به ليقام عليه الحد.
وفي ميدان البطولة والشرف أُتي به لقائد الجيش سعد بن أبي وقاص لأنه قد شرب الخمر ، فأمر سعد بن أبي وقاص أن يُمنع أبو محجن من المشاركة في المعركة، وأن يُقَيد حتى تنتهي المعركة؛ لأنه لا تقام الحدود في أرض العدو.
وقيد أبو محجن ، وبدأت المعركة، وارتفعت أصوات الأبطال، وقعقعت السيوف والرماح، وتعالت أصوات الخيول!! وفتحت أبواب الجنة لتطير إليها أرواح الشهداء، وهنا احترق قلب أبي محجن الذي جيء به وهو على معصية، لم يفهم أبو محجن أن الوقوع في المعصية يمنحه إجازة مفتوحة من العمل لدين الله، من المشاركة لنصرة لا إله إلا الله، وإنما احترق قلبه وبكى، ونادى على زوج سعد بن أبي وقاص سلمى وقال لها: أسألك بالله يا سلمى ! أن تفكي قيدي، وأن تدفعي لي سلاح وفرس سعد ؛ لأن سعدا قد أقعده المرض عن المشاركة في القادسية إلا بالتخطيط.
فرقت سلمى لحال أبي محجن ، ففكت قيده، ودفعت له السلاح والفرس وقال لها: إن قتلت فالحمد لله، وإن أحياني الله جل وعلا فلك على أن أعود إلى قيدي؛ لأضعه في رجلي بيدي مرة أخرى، وانطلق أبو محجن ، وتغير سير المعركة على يد بطل! على يد فارس! حتى قال سعد الذي جلس في عريش فوق مكان مرتفع؛ ليراقب سير المعركة، قال سعد : والله! لولا أني أعلم أن أبا محجن في القيد، لقلت بأن هذا الفارس هو أبو محجن ، ولولا أني أعلم أن البلقاء ـ فرس سعد ـ في مكانها لظننت أنها البلقاء، فردت عليه زوجه، وقالت: نعم، إنه أبو محجن وإنها البلقاء، وحكت له ما قد كان!! ولما انتهت المعركة دخل سعد بن أبي وقاص على أبي محجن في موقعه في سجنه، فوجد أبا محجن وقد وضع القيد في رجليه بيديه مرة أخرى، فبكى سعد بن أبي وقاص ورق لحاله، وقال له: قم يا أبا محجن ، وفك القيد عن قدميه بيديه، وقال له سعد : والله! لا أجلدك في الخمر بعدها أبداً، فنظر إليه أبو محجن وقال: ربما كنت أزل فيها لأنني أعلم أنني أطهر بعدها بالجلد، أما الآن لا تجلدني، وأنا والله لا أشرب الخمر بعد اليوم أبداً! وصدق مع الله جل وعلا.
فيا من يقول: إني أستحي أن أتحرك لدين الله وأنا مقصر وأنا مذنب وأنا عاص!! اعلم أنك لو تخاذلت عن العمل لدين الله فقد أضفت إلى تقصيرك تقصيراً، وإلى ذنوبك ذنباً، فلا يحملك ذنبك على أن تترك العمل لدين الله
و لك في أبي محجن خير قدوة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق